فصل: قال زكريا الأنصاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب الحكم الشّرعي في الإشهاد على أن الطّلاق والرّجعة بعد بيان أحوال المطلقات والآية الوحيدة الدّالة على أن الأرضين سبع كالسماوات:

أما الحكم الشّرعي بالإشهاد على الطّلاق والرّجعة فظاهر القرآن أنه واجب فيهما وقد اختلفت أقوال العلماء في ذلك، منهم من قال بوجوبه، ومنهم من قال بندبه أخرج أبو داود عن عمران بن حصين أن سئل عن رجل طلق امرأته ثم يقع عليها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها، فقال طلقة بغير سنة ورجعة بغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد أي أن ذلك جائز وموف بالمقصود إلّا أنه مخالف للسنة.
وقد اختلفت آراء العلماء في مثل هذا، فذهب أبو حنيفة لندب الإشهاد فيهما لقوله تعالى: {وأشْهِدُوا إِذا تبايعْتُمْ} فهو على النّدب أيضا، وقال الشافعي مندوب في الطّلاق واجب في الرّجعة.
وفي هذا الزمان أرى أن يكون واجبا فيهما لما يرى من التجاحد الذي لازالت تقام فيه الدّعاوى.
قال تعالى: {وكأيِّنْ مِنْ قرْيةٍ} راجع بحث كلمة كأين في الآية 146 من آل عمران المارة {عتتْ} طغت وبغت فتجاوزت وأعرضت فجنحت {عنْ أمْرِ ربِّها ورُسُلِهِ فحاسبْناها حِسابا شدِيدا} على عتوّها {وعذّبْناها عذابا نُكْرا} (8) فظيعا لا قبل لها به {فذاقتْ وبال أمْرِها} الذي فعلته في الدّنيا من الطّغيان {وكان عاقِبةُ أمْرِها خُسْرا} (9) في الآخرة كما كان في الدّنيا، وأهل هذه القرية المعتاة وأمثالهم {أعدّ الله لهُمْ عذابا شدِيدا} فنالوا أهونه في الدّنيا وسينالون أشده في الآخرة.
واعلموا أيها النّاس أن من يعمل عمل أهل تلك القرية منكم ولم يتب ويقلع عنه فإنه سيناله ذلك العذاب أيضا {فاتّقُوا الله يا أُولِي الْألْبابِ} أن تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم.
وفي هذه الآية من التهديد ما لا يخص لمن لم يرجع عن غيه، والمراد تخويف أهل مكة خاصة وغيرهم عامة بأنهم إذا لم يؤمنوا وينقادوا لأوامر نبيهم بوقع بهم ما أوقعه بأهالي القرى السّالفة التي أصرت على كفرها من عذاب الاستئصال، كقوم عاد وثمود ولوط وشبههم، فاحذروا عباد الله من الإصرار على الكفر والبغي والتعدي على النّاس، ولا توقعوا أنفسكم فيما يدمركم {الّذِين آمنُوا} اسم الموصول هنا منصوب على الاختصاص، أو بتقدير أعني أولى الألباب الّذين آمنوا {قدْ أنْزل الله إِليْكُمْ ذِكْرا} 10 قرآنا وأرسل إليكم {رسُولا يتْلُوا عليْكُمْ آياتِ الله مُبيِّناتٍ} لما أحله لكم وحرمه عليكم {لِيُخْرِج الّذِين آمنُوا} بالله ورسوله وكتابه {وعمِلُوا الصّالِحاتِ مِن الظُّلُماتِ إِلى النُّورِ} من ظلمة الجهل وظلمة الشّرك وظلمة النّفاق إلى نور الإيمان والعلم والتوحيد والصّدق والإخلاص، فيهديهم للاسلام والإيمان وأعمال البر {ومنْ يُؤْمِنْ بِالله ويعْملْ صالِحا يُدْخِلْهُ جنّاتٍ تجْرِي مِنْ تحْتِها الْأنْهارُ خالِدِين فِيها أبدا قدْ أحْسن الله لهُ} الموصوف بهذه الصفات {رِزْقا} (11) فيما أعطاه وفي هذه الآية معنى التعجب والتعظيم لما يرزق المؤمن من الثواب الجسيم {الله الّذِي خلق سبْع سماواتٍ ومِن الْأرْضِ مِثْلهُنّ} في العدد، وهذه أوضح آية في القرآن تبين أن الأرضين سبع كالسموات على أنه لا يبعد أن يراد بها الأقاليم السّبعة التي أشرنا إليها في الآية 4 من سورة الرعد المارة، لأن الله تعالى قال في الآية 15 من سورة نوح المارة سبع سموات طباقا، والمثلية تقتضي أن تكون مثل المثل به بأن تكون الأرض سبعا طباقا أيضا، وكلّ ما لم يكشف لنا العلم عنه فالله أعلم به.
قال الإمام الغزالي في كتابه المضنون به على غير أهله الأولى كرة النّار، والثانية كرة الهواء، والثالثة كرة الطّين المجفف الذي هو فوق الماء، والرّابعة الماء، والخامسة الأرض البسيطة، والسّادسة الممتزجات من هذه الأشياء، والسّابعة الآثار المعلومة كما أن السّيد عبد الكريم الجبلي ذكر في كتاب الإنسان الكامل مثل هذا.
والله أعلم.
وهو القائل {يتنزّلُ الْأمْرُ بيْنهُنّ} أي وحي الله لرسله واجراء مقدراته وأحكامه على خلقه يكون بين السّموات والأرضين {لِتعْلمُوا} أيها الناس كلكم {أنّ الله على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ} لا يعجزه شيء وبعد أن رأيتم أيها الناس خلقة السّموات والأرض وما فيها وعليها وتحتهما وفوقهما، واعتقدتم ذلك فلا يليق بكم أن تشكوا بإعادة الخلق كما بدأه بعد إبادته، ولا ترتابوا بأنه يعلم الجزئيات من أعمالكم كما يعلم كلياتها، وكيف يتطرق لكم ذلك الشّك {وأنّ الله قدْ أحاط بِكُلِّ شيْءٍ عِلْما} (12) فلا شيء فيهما إلّا وهو عالم به، قليله وكثيره خفية وجليه. هذا والله أعلم.
ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به هذه السورة.
وقد بدئت سورة التحريم والأحزاب بما بدئت به فقط.
وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الطلاق مدنية.
{لعدتهن} حسن وقال أبو عمرو كاف والأحسن الوقف على {وأحصوا العدة}.
{ربكم} حسن والأحسن الوقف على {بفاحشة مبينة}.
{وتلك حدود الله} تام وكذا {فقد ظلم نفسه} و{أمرا}.
{ذوي عدل منكم} كاف وكذا {لله}.
{واليوم الآخر} تام.
{يحتسب} حسن وكذا {فهو حسبه}.
{أمره} كاف.
{قدرا} تام وكذا {واللائي لم يحضن} أي كذلك.
ولا يبعد جواز الوقف على {فعدتهن ثلاثة أشهر}.
{أن يضعن حملهن} كاف وكذا {يسرا}.
{أنزله إليكم} تام.
{أجرا} حسن.
{لتضيقوا عليهن} كاف وكذا {حملهن}.
{أجورهن} صالح.
{بمعروف} كاف.
{له أخرى} تام.
{من سعته} حسن وكذا {مما آتاه الله}.
{إلا ما آتاها} تام وكذا {يسرا} و{نكرا}.
{وبال أمرها} صالح.
{خسرا} حسن.
{شديدا} كاف.
{الذين آمنوا} تام وقال أبو عمرو كاف وقيل تام.
{ذكرا} تام إن نصب {رسولا} بالإغراء أي عليكم رسولا أو بنحو أرسل رسولا وان نصب بـ: {ذكرا} أو على انه بدل منه بجعله بمعنى الرسالة أو انه مفعول معه لـ: {أنزل} لم يكن ذلك وقفا.
{إلى النور} تام. وكذا {رزقا}.
{مثلهن} كاف.
آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة الطلاق:
مدنية.
إحدى عشرة آية.
كلمها مائتان وتسع وأربعون كلمة.
وحروفها ألف ومائة وستون حرفا.
{لعدتهن} حسن.
{وأحصوا العدة} أحسن مما قبله.
{ربكم} حسن.
{من بيوتهن} حسن إن كانت الفاحشة أن تعمل المرأة ما يوجب عليها الحدّ فتخرج له حتى يقام عليها الحد وإن كان الخروج هو الفاحشة فلا يجوز الوقف.
{مبيّنة} أحسن منه.
{حدود الله} الأول تام للابتداء بالشرط ولا يوقف على {حدود الله} الثاني لأنّ جواب الشرط لم يأت بعد.
{ظلم نفسه} حسن.
{أمرا} كاف ومثله {بمعروف} الثاني.
{منكم} كاف ومثله لله وكذا واليوم الآخر.
{لا يحتسب} حسن.
{فهو حسبه} كاف ومثله {أمره}.
{لكل شيء قدرا} تام ومثله {لم يحضن} أي فعدّة الجميع ثلاثة أشهر فحكم الثاني كحكم الأول فالواو شركت في المعنى بينهما ولولا هي لما دل نظم الكلام على اشتراكهما في المعنى والمراد بالارتياب جهل عدتهن أي إن جهلتم عدتهن فهي ثلاثة أشهر وليس المراد بالارتياب الشك في كونهن حاملات أم لا.
وقيل {إن ارتبتم} أي تيقنتم فهو من الأضداد.
{حملهن} تام ومثله {يسرا} وكذا {أنزله إليكم} للابتداء بالشرط.
{أجرا} كاف.
{من وجدكم} جائز على استئناف النهي وهو الطاقة والغنى.
{عليهن} حسن ومثله {حملهن}.
{أجورهن} جائز.
{بمعروف} حسن.
{له أخرى} تام على استئناف الأمر واللام لام الأمر.
{من سعته} تام للابتداء بالشرط.
{مما أتاه الله} حسن ومثله {ما آتاها}.
{يسرا} كاف.
{نكرا} حسن ومثله {وبال أمرها}.
{خسرا} كاف على استئناف ما بعده.
والوبال في كلام العرب الثقل وفي الحديث «أيّما مال زكي رفع الله وبلته» ومنه قول الشاعر:
محمد تفد نفسك كل نفس ** إذا ما خفت من أمر وبالا

{شديدا} كاف على استئناف ما بعده.
{الألباب} حسن. قاله بعضهم وقال نافع الوقف على {الذين آمنوا} وهو أليق لأنّه يجعل {الذين آمنوا} متصلا بـ: {أولي الألباب} ثم يبتدئ {قد أنزل الله إليكم ذكرا} وهو تام إن نصب {رسولا} بالإغراء أي عليكم رسولا أي اتبعوا رسولا وكذا إن نصب بنحو أرسل رسولا أو بعث رسولا لأنّ الرسول لم يكن منزّلا وليس بوقف إن نصب {رسولا} بـ: {ذكرا} أي أنزل عليكم أن تذكروا رسولا أو على أنّه بدل منه أو صفة ومعناه ذا رسول فحذف ذا وأقيم رسولا مقامه نحو {واسأل القرية} فعلى هذه التقديرات لا يوقف على {ذكرا} ولا على {مبينات} لأنّه لا يبتدأ بلام العلة.
{إلى النور} تام.
ولا يوقف على {الأنهار} لأنّ {خالدين} حال من {جنات} ولا يوقف على {خالدين}.
{وأبدا} حسن.
{له رزقا} تام.
{مثلهن} كاف إن علق {لتعلموا} بقوله: {يتنزل} أو بمحذوف وليس بوقف إن علق بـ: {خلق} ولا يوقف على {بينهن} ولا على {قدير}.
آخر السورة تام. اهـ.